الثلاثاء، 19 يونيو 2012

يوم من حياتى

في المترو وأمام المقاعد المخصصة لكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة (منهم الحوامل حسب الملصق الموجود عليها) قررت أن اتخذ مكاناً فأنا سيدة حامل تضطر حتى شهرها السابع لركوب المترو في أوقات مزدحمة، كانت تجلس أمامى  سيدة وابنها البالغ من العمر 4 سنوات يجلس بجانبها، ومع استمرار الوضع بهذه الصورة! توقعتها قلة في الذوق العام والتى أصبحت عادة في مجتمعنا ولم أبالى وإن كنت حانقة بعض الشئ. إذ فجاءة أراد الطفل أن يجلس في حضن أمه، وبصورة عفوية وجدت هذه الأم تنادى الفتاة التى بجانبى وهى جامعية محجبة - اسفه لأني ميزتها ولكن -  لتجلس فاستشاط غضبي فلم يكن السبب إذاً الذوق بل الدين، في هذه اللحظة لمحت سيدة عجوز تقف من بعيد وبسرعة وجهت كلامي للفتاة مشيرة لها أن تُجلس السيدة العجوز فلم يكن منها إلا التجاهل ... فوجهت السؤال للسيدة العجوز وقد كانت تبدو في السبعين من عمرها إذا كانت تريد الجلوس؟ ولست في حاجة بالطبع لذكر اجابتها، ثم جلست السيدة العجوز. كنت فقط أريد توضيح رسالة لهما أن هناك حالات قد تحتاج بعض الأولوية بطبيعة الحال.
وجدت الفتاة من يدعوها للجلوس وأخرى جلست لأنها كانت تقرأ القرآن وهى واقفة وبعد فترة كبيرة وكنت مازلت واقفة قامت لى سيدة لأجلس وعندما شكرتها قالت لى: "أنت أولى" لم أكن أصدق فهذا الموقف لا يتكرر كثيراً في هذه الأيام، كانت سيدة مسلمة تبدو تقريباً في الخمسينات من عمرها وهى من الجيل الذى يتحدث عن مصر التى لم تكن تعرف تفرقة بين مسلم ومسيحى هذه البلد التى لا يعرفها معظم شباب الجيل الذى انتمى إليه، فجلست وأنا شاكرة لأريح قدمى قليلاً ثم قمت لها وكانت محطت نزولى قد اقتربت.
قضيت ساعات النهار في عملى الذى أحبه كثيراً، ثم رجعت إلى منزلى فأخت زوجى سوف تزورنا اليوم. وهى كثيراً ما تقص علىّ ما تتعرض له من مضايقات ومعاكسات في الشارع وأنا أتفهم كل تمر به ، فأنا أكاد أعيش هذه المعاناة يومياً، والتى تكون في كثير من الاحيان بسبب هذه الفكرة "إذا لم تكونى محجبة فأنت لست على خلق وتستحقى كل ما سوف يحدث لك" ولا أعرف من الذى أعطى الشارع سلطة العقاب هذه. ولكنى فوجئت اليوم بحكايتها المختلفة مع بائع كانت قد طلبت منه خدمة ما، فلم يجيبها، كان قد سمعها ولكنه لم يجيبها إطلاقاً ثم أهتم بسيدة أخرى مسلمة بجانبها، لم تفهم ما حدث ولم تتوقع أنه يقصد تجاهلها فكررت طلبها ولكنه بادرها بالنظر ليؤكد أنه قد سمعها وأنه لا يريد أن يلبى طلبها. تعجبت وأخذت بعض اللحظات لتتدارك الموقف ثم خرجت وقد شعرت بحرج كبير. بالطبع جلسنا نحن الثلاثة وضحكنا، وأضاف زوجى مازحاً أنه لا يواجه مثل هذه المواقف المتعصبة في المصالح الحكومية لأن اسمه لا يوضح ديانته.
لكن في نهاية اليوم بقى عندى السؤال: لماذا؟
لماذا هذا التعصب والتمييز ولماذا نعامل كمواطنين درجة ثانية في بلدنا. قد لا تتعلق مشكلة القبطى الأساسية في مصر بنص القانون، ولكن في التمييز الواضح بداية من سوء المعاملة وتأخر المصالح وتفضيل وتقديم المسلم عليه. حتى في التقدم للوظائف والتى يجب أن يكون الحكم الأول فيها للكفأة وليس للدين، نجد أن ما يحدث في كثير من الأحيان هو العكس. كثيراً ما يُنظر لنا كأقل في الانتماء والوطنية وفي احتياج دائم لنبرهن على وطنيتنا بسبب ما ندين به؟ لماذا هذه النظرة الغاضبة عندما أبادر بصباح أو مساء الخير فأجد الرد وبإصرار السلام عليكم، لماذ كل هذا الكم من البرامج التى تتحدث في شئون الدين الإسلامى  في القنوات المصرية الارضية والفضائية ولا يوجد في المقابل أى برنامج لأى دين آخر، لماذا اختفت أغانى الاطفال التى تتحدث عن الحديقة والبقرة وأتوبيس المدرسة من برامج الاطفال واصبح هناك جزء يزداد كل يوم من هذه البرامج عن قصص الانبياء والاغانى الدينية المسلمة، لماذ إلقاء القبض على مفطرى شهر رمضان في الأقصر، فهل لا يوجد اعتراف بمواطنين إلا المواطنين المسلمين؟؟؟ عند هذا الحد كان قد انتهى يومى، وذهبنا نحن الثلاث للنوم ولكن بقى في داخلى هذا السؤال: لماذا، ولمصلحة من؟