قديماً كانت هناك مدينة يحكمها ملك ظالم. كان الملك يربي وحشاً داخل قصره، أو هكذا كان يظن كل أهل مدينته. في يوماً من الأيام أراد أهالى المدينة أن يهزموا ظلم الملك وينصبوا عليهم حاكم عادل، فإجتمعوا جميعاً وإنتصروا على حرس الملك وقتلوا الملك. فلم يبقى لهم إلا أن يواجهوا الوحش الذى كان يربيه الملك داخل قصره. إحتفل أهل البلدة بإنتصارهم وأجلوا معركتهم مع الوحش لليوم التالي.
وفي صباح اليوم التالي تجمع مجموعة من خيرة رجال هذه البلدة وقروروا أن يقضوا على هذا الوحش الساكن في قصر مليكهم السابق والذى كان يصدر أصواتًا من داخل زنزانته، أصواتًا مخيفة ليلاً نهاراً دون توقف للحظة، مما كان يثير تعجبهم من قدرة هذا الوحش على البقاء مستيقظاً دون نوم دائمًا.
وعندما فتحوا زنزانة هذا الوحش الرهيب، كانت المفاجئة. فقد وجودوا أن الوحش كان عبارة عن كائن هلامى غريب وضعيف موضوع في حضانة رعاية، كان الوحش ضعيف كله إلا صوته، وتعجبوا كيف استطاع الملك ان يُخلّق هذا الكائن الغريب !!!!!!!!
خرجوا من الزنزانة وتركوا خوفهم - من الوحش وصوته - مع الوحش، وكانوا يضحكون كلما سمعوا صوت الوحش، ويتعجبوا من هذه الفكرة الرهيبة للملك والتى تمكن بيها من السيطرة على شعبة طوال هذه السنوات. ولكن عندما أخبروا أهل المدينة ظن معظم أهل المدينة أنهم اصيبوا بلوسة أو سحر ما آثر دخولهم قصر الملك، فظل أهل المدينة يتلاسنون ويتغامزون عليهم، وكان هذا بالطبع يضايقهم ولكنهم قرروا ان يذهبوا إلى حكماء وسحرة المدينة فلم يكن عند أي منهم تفسير مقنع.
ثم تذكر أحد الرجال الحكماء، وكان هذا الرجل طاعن جداًفي السن وقد عاصر مدينتهم في عصرها الذهبى عندما كان القصر عادلاً ومفتوح لكل فرد من أهل المدينة. عندما كان الجميع سعداء. أطفالهم يلعبون في الحدائق، وشبابهم أحرار ينسجون ويكونون طريقهم وشخصياتهم وشكل حياتهم حسب الشخصية الفريدة لكل واحد منهم، ونسائهم ورجالهم يعملون وينتجون. وشيوخهم يتمتعون بشيبتهم مسموعة حكمتهم من كل أهل مدينة فيها أحلام الغد تولد من رحم نجاحات اليوم ودروس الامس. لقد تذكر الرجل بداية الحكاية.
قال الشيخ الطاعن في السن: "في البدء كانت مدينتنا أحلى المدن وشعبنا أكرم وأنبل الشعوب، خضنا معارك كثيرة لجيوش طامعة في خيراتنا، وتقدمنا من نهضة إلى نهضة ومن عصر إلى عصر ومن حضارة إلى حضارة. أرضنا كانت مهد الحضارات، نعم هذا كان في يوماً من الأيام حقيقة. أعلم أنها اليوم عبارة عن شعارات فارغة يرددها فاشلون، ولا تحمل أى معنى، ولكهنا كانت في الماضى واقعًا كنا نعيشه كلنا.
حتى تولى جلالته حكم بلادنا، بدء حكمه بنفس مبادئنا الشريفة، قال أنه سيقف دائماً في صف الفقراء، قال أنه سيرعى حرية شعبنا ويعلم أولادنا. وعدنا أننا سنمشى الطريق إنجاز يؤدى إلى انجاز. ثم تبدل الوضع في لحظة ما، وفسد هو ونسائه وأمرائه وحكمائه وجيشه أيضاً، أعرف أنكم سمعتم أن الفساد كان هو من صنع جلالته أولاً، كما سمعتم وسمعنا من يدافع عنه ويقول حاشية قصره هى من تتحمل المسئولية، ولكن هذا لا يهم الآن.
المهم الآن هو حكاية الوحش، في يوم من الآيام جاء ساحر شرير إلى الملك وأخبره إنه عنده قدرة سحرية شديدة يستطيع بها أن يخلق وحش ضعيف! يحتاج هذا الوحش ليعيش حضانة زجاجية. ولكي يخيف الوحش شعبه ،شعب مدينتنا الحبيبة، تميمة في الحضانة، فيها سوف يجمع السحر كل أصوات وطاقة الشر في شعب مدينتنا، وعندما تتجمع هذه الطاقة لتكون صوت هذا الكائن الخرافى المخيف. عند هذه النقطة ضحك أحد الشباب وقال للشيخ: "لقد رآيناه، لم يكن مخيفًا على الإطلاق. كان كائن ضعيف داخل حضانته ، هو فقط صوت...". هنا قاطعه الشيخ الجليل وقال له: "عمل السحر في البداية لتكوين وللحفاظ على اللكائن، وعندما تُختزن الطاقة الشريرة لمرحلة ما تبدأ قدرة الكائن في غصدار أصواته تلك التي تسمعونها ليل نهار. وكانت الأفعال الشريرة التي يرتكبها أهل المدينة مثل الأنانية والظلم والتكاسل وكل صور عدم النظافة والنظام والجمال، تعمل كل يوم على تقوية صوته حتى يبث الخوف في قلوب الناس". هنا صرخ أحد السامعين: "هذا الخوف هو ما استخدمه الملك ليحكم سيطرته على شعب محبط وخائف، ويأس، وغاضب".
صرخ فهد، أحد الشباب المستمعيين، وقد سمي بالفهد لأنه سريع جداً في تفكيره وفي استنتاجاته وفي تحركاته: "نقتل الساحر والكائن، ونستريح".
ضحك الشيخ وقال له: " الساحر قتله السحر بدون أن يفعل أحد شيئًا له، والكائن لن يستطيع أحد أن يقتله لأنه ببساطة جزء من كل واحد في المدينة إذا اردت قتله فستقتل كل واحد في المدينة". عندها اغتم الجميع فما من طريقة لوقف هذا الصوت المزعج المخيف الذى يضايق الجميع أمامهم الآن. أو كما يظنون.
الآن عرف رجال المدينة النبلاء القصة فما هو الحل؟ رجع كل واحد من مجموعة النبلاء إلى بيته إلا واحد. لقد أراد هذا الرجل أن يتجول في الغابة ليفكر في هدوء. ظل يفكر طوال اليل حتى جأته فكره بسيطة في عبقريتها.
ذهب مسرعاً نحو منزل الحكيم. كانت لا تزال السماء سوداء كاحلة إلا من ضوء القمر، ضوء قوى باهر يكسر عمق ظلام الليل.
قرع صاحب الحل الباب ففتح الشيخ بابه وقال: لعل سبب مجيئك إلى في هذه الساعة المبكرة خيراً، تفضل".
كان الرجل في منتصف العمر، تظهر عليه علامات الذكاء والنبل، مع قليل من الحزن. قص على الشيخ كل ما كان يجول في خاطره.
فقال: "إذا كنا لا نستطيع أن نقتل الوحش فلا يوجد أمامنا سوى مصدره الذى يستمد منه طاقت. فلنمنع عنه هذا المد من الطاقة التي تولد صوته، بل لنوجد مصادر أخرى لطاقة مضاده تضعفه أيضَا".
وثب الشيخ فرحاً كأنه ابن العشرين، وقال له: "هذا هو حل السماء لمدينتنا. سوف نبقى معًا نفكر كيف نستطيع تحقيق هذا الكلام ، ونعد خطة. عندها سوف نستدعى بقيتنا ونشرح لهم الخطة ونبدأ فوراً في التنفيذ".
والآن هما يفكران كيف؟ كيف سوف يقنعون أهل المدينة أن كل واحد منهم هو مصدر لجزء من هذا الصوت الكئيب المخيف المزعج؟ كيف والأهالي فرحون يظنون أنهم قد إنتصروا. تخبرهم إذاعة المدينة "إننا سننافس كل مدن المملكة وسنستعيد مجدنا" فيطيرون فرحًا ويرقصون كالفراشات فخراً.
كيف سيفهمون أن الانتصار لم يكن كاملاً وأن هناك مسئولية بل مسئوليات كثيرة على كل واحد لمواجة الظلم الذي صنعوه هم بأيديهم؟ كيف سيقتنعون أن العصا التي بين أيديهم لم تكن سحرية، وأنها فقط شعار يحتاج الكثير من الجهد ليتحقق؟
وهذا فصل آخر طويل من القصة